كانت العملات الرقمية للبنك المركزي (CBDCs) جزءًا لا يتجزأ من المناقشات التقدمية داخل مجتمع العملات المشفرة. العملات الرقمية للبنوك المركزية عبارة عن تمثيلات افتراضية للعملة الورقية لبلد معين. وغالبًا ما تستند إلى تقنية بلوكتشين ويتم إصدارها وتنظيمها من قبل المنظمة النقدية الرسمية للبلد. الميزة التي تجعلها مختلفة عن العملات المشفرة مثل بيتكوين وإيثريوم هي أن العملة الرقمية للبنك المكزي تكون مدعومة من ودائع البنك المركزي لعملة البلد ويتم تنظيمها من قبل البنك المركزي بينما لا يتم تنظيم العملات المشفرة.

وقد ناقش كوينتيليغراف مع توماس تريبانيير، مدير تطوير الأعمال لروكسي في أبيفني، وهي منصة رقمية للمؤسسات المالية، الدور الذي يمكن أن تلعبه العملات الرقمية للبنوك المركزية في الاقتصاد العالمي. حيث قال:

"إن العملات الرقمية للبنوك المركزية تمكن البنوك المركزية من توفير المزيد من الشمول المالي، لا سيما في الأسواق التي تكافح من أجل المنافسة على الصعيد العالمي. كما تقضي العملات الرقمية للبنوك المركزية على العمليات غير الفعالة وتعزز شفافية محلية وعالمية أفضل، لا سيما بالنظر إلى أهمية الامتثال لممارسات اعرف عميلك."

أول عملة رقمية لبنك مركزي يتم إطلاقها رسميًا هي ساند دولار لجزر البهاما الصادرة عن البنك المركزي لجزر البهاما، وقد تم إطلاقها يوم ٢١ أكتوبر. ساند دولار هي عملة مدعومة من الدولة ومرتبطة بدولار البهاما والذي بدوره مرتبط بالدولار الأمريكي. ووفقًا للموقع الرسمي، يمكن لمواطني جزر البهاما استخدام عملة ساند دولار هذه كوسيلة للدفع لأي تاجر لديه محفظة إلكترونية معتمدة من البنك المركزي على أجهزتهم المحمولة في حين أن رسوم المعاملات لا تذكر. وهذه الميزة تجعل من ساند دولار عملة رقمية للبنك المركزي للأفراد مقارنةً بالعملات الرقمية للبنوك المركزية بالجملة والتي تم تصميمها لاستخدام المؤسسات المالية. NZIA هي مقدم الخدمات المختار للحلول التقنية من قبل البنك المركزي لإدارة عمليات العملة الرقمية.

وقد ناقش كوينتيليغراف الأمر مع ممثل البنك المركزي لجزر البهاما، الذي أوضح كيف أن العملة الرقمية للبنك المركزي للأفراد تحقق هدفها:

"يتمثل الهدف الأساسي لمشروع ساند دولار في تعزيز الوصول الأكثر شمولًا إلى المدفوعات المنظمة وغيرها من الخدمات المالية للمجتمعات التي لا تتعامل مع البنوك أو التي لا تتعامل مع البنوك والمجموعات الاجتماعية والاقتصادية داخل الدولة. وكعملة رقمية لبنك مركزي مخصصة للأفراد، تتيح لنا ساند دولار تحقيق هذا الهدف".

على الرغم من إطلاق ساند دولار منذ أكثر من شهرين، إلا أنه لا يوجد وضوح فيما يتعلق باستخدام العملة في النظام المالي. ووفقًا لبيان صحفي رسمي، تركز المرحلة الأولى على القطاع الخاص بينما تستهدف المرحلة الثانية التي تبدأ في عام ٢٠٢١ الخدمات الحكومية والمرافق العامة.

وفي حين أن ساند دولار هي أول عملة رقمية للبنوك المركزية يتم إطلاقها رسميًا، إلا أن هناك العديد من البلدان التي تدير برامج تجريبية للعملة الرقمية للبنك المركزي أو تجري مناقشات نشطة حول تقديم العملة الرقمية للبنك المركزي، يحدد كوينتيليغراف أول ٥ عملات رقمية للبنوك المركزية التي يمكن تقديمها في عام ٢٠٢١ و٢٠٢٢. وهي اليوان الرقمي الصيني ومشروع اليورو الرقمي والكرونة الإلكترونية السويدية والعملة الرقمية لتايلاند والعملة الرقمية الأسترالية.

اليوان الرقمي: الرائدة بين العملات الرقمية للبنوك المركزية

تتمتع عملة اليوان الرقمي الصينية باحتمالية عالية في أن تكون العملة الرقمية للبنك المركزي التالية التي سيتم إطلاقها وسيكون الإطلاق علامة بارزة بالنسبة لحركة العملات الرقمية للبنوك المركزية بالنظر إلى المقياس المعني. كان بنك الصين الشعبي يتابع بنشاط الأبحاث حول العملة الرقمية، التي بدأت في عام ٢٠١٤ بمشاريع تجريبية تم تنفيذها في أكثر من أربع مدن صينية بما في ذلك شنزن وسوتشو وتشنغدو وشيونغان بقيمة ٣٠٠ مليار دولار. وبعد اعتماد الدفع الإلكتروني للعملة الرقمية (DC/EP)، يتم دعم العملة الرقمية للبنك المركزي المرتقبة في البلاد من خلال ودائع اليوان التابعة للبنك المركزي.

ومن المتوقع أن تكون الصين من بين أوائل الاقتصادات الكبرى التي تطلق عملتها السيادية مع وجود هيئات تنظيمية تقترح أن اعتماد العملة الرقمية سيمكن الصين من تدويل اليوان وكسر احتكار الدولار الأمريكي للمدفوعات الدولية. ناقش كوينتيليغراف هذا الجانب بشكل أكبر مع أدريان هونتيلار، مدير نجاح العملاء في منصة الأصول الرقمية "كوين سكوير"، الذي قال:

"إنها أكبر عملة رقمية في المرحلة التجريبية في جميع أنحاء العالم. فمن بين القوى الاقتصادية العالمية العظمى، تتمتع الصين بميزة المحرك الأول بسبب تجربتها الناجحة في ٤ مدن في عام ٢٠٢٠. ويظل السؤال مفتوحًا عما إذا كان نجاح اليوان الرقمي قد يرفع من دور الصين كلاعب في التمويل الدولي."

يتعاون البنك المركزي الصيني أيضًا مع سلطة النقد في هونغ كونغ (HKMA). وهما في المراحل الأولية لتجربة اليوان الرقمي للمدفوعات عبر الحدود. تعاونت سلطة النقد في هونغ كونغ مع بنك تايلاند من خلال مشروع بحثي مشترك أُطلق في عام ٢٠١٩ لمعالجة المخاوف المتعلقة بالمدفوعات عبر الحدود والعملات الرقمية، والتي توجد في المرحلة الثانية الآن.

بالنظر إلى عدد السكان الكبير في الصين وتغلغل مستخدمي الإنترنت عبر الهاتف المحمول بدرجة عالية، قد يثبت اليوان الرقمي أنه أفضل مثال على حالات الاستخدام وجدوى العملات الرقمية للبنوك المركزية في سيناريوهات الاستخدام للأفراد والمؤسسات. ووفقًا للمعلومات الصادرة في أوائل نوفمبر، اختبر القائمون بتجربة اليوان الرقمي أكثر من ملياري يوان أي ما قيمته ٣٠٠ مليون دولار من المعاملات في أكثر من أربعة ملايين معاملة منفصلة. وعلى الرغم من أن اليوان لا يبدو أنها أولى العملات الرئيسية المزمع إطلاقها في شكل رقمي، وهناك مخاوف بشأن خصوصية بيانات المستخدم وطريقة استخدامها، وهو جانب لا يبدو أن الحكومة الصينية معنية به في الوقت الراهن.

اليورو الرقمي: أول مشروع متعدد الجنسيات لعملة رقمية لبنك مركزي

بدأ البنك المركزي الأوروبي (ECB) في دراسة احتمالية إطلاق اليورو الرقمي. حيث قالت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، "يجب أن نكون مستعدين لإصدار يورو رقمي، إذا دعت الحاجة إلى ذلك"، لكنها لم تقدّم جدولًا زمنيًأ معينًا أو تصميمًا يمكن الوفاء به. نظرًا لطبيعة الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء البالغ عددها ٢٧ دولة، سيكون هناك الكثير من المؤسسات الدولية والأوروبية التي ستحتاج إلى التوصل إلى إجماع يرضي توقعات جميع أصحاب المصلحة المحتملين. وسيكون الاتفاق بمثابة تحول هائل في كيفية عمل الاقتصادات الأوروبية.

في ٢ أكتوبر ٢٠٢٠، نشر البنك المركزي الأوروبي تقريرًا عن اليورو الرقمي، مسلطًا الضوء على أسباب إصدار اليورو الرقمي، والآثار المحتملة للإصدار والاعتبارات القانونية التي يجب أخذها في الاعتبار. ووفقًا لهذا التقرير، سيقرر نظام اليورو بحلول منتصف عام ٢٠٢١ إذا ما كان سيتم إطلاق مشروع اليورو الرقمي بدءًا بمرحلة التحقيق.

يشير التقرير المعنون "تقرير عن اليورو الرقمي" إلى أن أحد أهداف العملات الرقمية للبنوك المركزية هو "التأثير بشكل مباشر على خيارات الاستهلاك والاستثمار للقطاع غير المالي" باستخدام السياسة النقدية لتحديد معدل العائد من اليورو الرقمي.

الكرونة الإلكترونية: العملة الرقمية للبنك المركزي السويدي

الكرونة الإلكترونية هي العملة الرقمية المركزية قيد التطوير بالبنك المركزي للسويد، ريكسبنك. بدأت السويد اختبارًا تجريبيًا للكرونة الإلكترونية في عام ٢٠١٩ بالشراكة مع أكسنتشر. تهدف الكرونة الإلكترونية إلى أن تكون عملة رقمية للبنك المركزي للأفراد، ويهدف المشروع التجريبي إلى إظهار كيف يمكن لعامة الناس استخدام العملة.

بعد إجراء الاختبار التجريبي خلال عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠، يستكشف ريكسبنك السويدي الآن جدوى تحول البلد بأكمله إلى عملة رقمية. وجد بنك التسويات الدولية (BIS) في عام ٢٠١٨ أن السويد هي أكثر المجتمعات غير النقدية في العالم، محسوبًا كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (GDP). وفي الواقع فإنه وسط الوباء، انخفض استخدام النقد في السويد إلى أدنى مستوياته، عند أقل من ١٠٪ وفقًا لأبحاث بنك ريسكبنك.

يشير هذا الاستخدام المنخفض للنقد إلى أن معظم المواطنين في الدولة معتادون بالفعل على طرق الدفع الرقمية، لذلك من شأن هذا أن يجعل الانتقال إلى استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي للبلد أكثر فعالية وملاءمة للجماهير مع بعض البنية التحتية الإضافية. وقد صرح وزير الأسواق المالية السويدي، بير بولوند، أن المراجعة يجب أن تكتمل بحلول نوفمبر ٢٠٢٢.

تايلاند: البات التايلاندي الرقمي

كان البنك المركزي، بنك تايلاند (BoT) أحد القادة في حركة العملة الرقمية للبنك المركزي وأطلق على مبادرة العملة الرقمية للبنك المركزي الخاصة به اسم "بروجكت إنثانون". وقد مر بنك تايلاند بالمرحلة ٣ من تنفيذ البات التايلاندي الرقمي مع تجاربه مع عدد من الشركات السابقة في يوليو من هذا العام. قبل عامين، قام بنك تايلاند بإثبات مفهوم البات الرقمي باعتبارها العملة الرقمية للبنك المركزي بالجملة. وقد شارك ثمانية بنوك كبيرة: إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد وبنك بانكوك وبنك كرونغ التايلاندي وبنك أيوديا وكاسيكورنبانك وبنك سيام التجاري وثاناشارت. في إثبات المفهوم هذا، نظم بنك تايلاند والبنوك المشاركة ورش عمل للتفكير التصميمي جنبًا إلى جنب مع اختبار الوظائف لتحديد نقاط الضعف وحلول التصميم.

كان الشريك التكنولوجي في ذلك الوقت هو آر ثري، شركة بلوكتشين للمؤسسات جنبًا إلى جنب مع ويبرو. على الرغم من أن بنك تايلاند (BoT) أعلن في أكتوبر من هذا العام أنه طبق سلسلة إيثريوم بلوكتشين باستخدام شركة تطوير إيثريوم كونسنسيس لتطوير إثبات المفهوم للبات الرقمي باعتبارها العملة الرقمية للبنك المركزي لاستخدام الأفراد. قد يؤدي ذلك إلى بعض التحديات أمام المستثمرين الأفراد بالنظر إلى رسوم الغاز المرتفعة على شبكة إيثريوم. كشفت كونسنسيس أنه سيتم إصدار البات التايلاندي الرقمي من خلال العقود الذكية إي آر سي-٢٠، وهي معيار إيثريوم. وقد منح هذا بنك تايلاند فرصة للنظر في حالات استخدام التمويل اللامركزي (DeFi) للبات الرقمي.

إن النهج الاستباقي الذي اتخذه بنك تايلاند تجاه تطوير العملة الرقمية للبنك المركزي، يجعله أحد قادة حركة العملة الرقمية للبنك المركزي.

أستراليا: الدولار الأسترالي الرقمي

كانت أستراليا واحدة من رواد العالم في اعتماد تقنية بلوكتشين بشكلٍ عام. وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات على أن بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) لديه أي خطط لإطلاق عملات رقمية للبنك المركزي للبيع بالتجزئة، فقد أطلق في نوفمبر شراكة مع بنك الكومنولث وبنك أستراليا الوطني وبريبتشوال وكونسنسيس للبحث في جدوى استخدام العملة الرقمية للبنك المركزي بالجملة لتقنية السجلات الموزعة (DLT).

ومن المتوقع أن يكتمل المشروع بنهاية عام ٢٠٢٠ وتعتزم الأطراف نشر تقرير عن المشروع والنتائج الرئيسية خلال النصف الأول من عام ٢٠٢١. ويمكن أن يتبع ذلك إطلاق كامل خلال العامين المقبلين لاستخدام المؤسسات المالية، مع الوضع في الاعتبار كيفية تكيف الدولة مع تقنيات بلوكتشين. وقد أيد تريبانييه من أبيفني هذه الفرضية، قائلًا:

"من المرجح أن تدخل أستراليا في السوق أولًا لأن البلاد كانت في طليعة البلدان في مجال بلوكتشين لفترة طويلة، وعلى الأخص مع شركة ديجيتال أسيت هولدينغز الخاصة بالمصرفي الشهير بليث ماسترز."

مجالٌ سريع التطور

هناك العديد من البلدان الأخرى التي لا تزال تجري محادثات حول اختبار وإطلاق عملاتها الرقمية الخاصة. وتجري دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا أيضًا محادثات داخلية حول الجدوى العملية لعملاتها الرقمية. كوريا الجنوبية هي أيضًا واحدة من الدول التي تجري اختبارات تجريبية لعملتها الرقمية الخاصة. وبالنظر إلى نفوذ الحكومات التي تعمل على العملات الرقمية للبنوك المركزية، من المفترض أن يتزايد اعتماد رقمنة العملة، جالبةً معها صناعة العملات المشفرة ككل.