خلال الاجتماع الأخير الذي عقده وزراء خارجية دول البريكس، بما في ذلك البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، إلى جانب ممثلين من دولٍ مثل إيران ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، احتلت خطط إنشاء عملة مشتركة مركز الاهتمام، إذ يسعى هذا الاقتراح الطموح الذي كلف بنك التنمية الجديد باستكشاف إمكانية طرح العملة، إلى تقليص هيمنة الدولار الأميركي، الذي خدم لفترةٍ طويلة كمعيار نقدي عالمي.
بدأت روسيا والبرازيل والصين بالفعل في استخدام عملاتها في التسويات التجارية الثنائية. ومع ذلك، يواجه هذا النظام الجديد عقباتٍ عدة عند حصولٍ خللٍ ما. ووفقاً لما أشار إليه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، تجد روسيا نفسها مثقلة بمليارات الروبيات الهندية التي لا تستطيع الاستفادة منها بسهولة. لذلك، تواجه دول البريكس التحدي الدائم المتمثل في الانتقال من المقاصة الثنائية إلى المقاصة متعددة الأطراف، مما يستلزم إدخال عملة مشتركة.
ووفقاً لخبير اقتصاديٍّ عمل سابقاً في بنك التسوية الدولية، فإنه من غير المرجح أن تحل عملة "البريكس" محل الدولار، بل إنها ستتعايش جنبا إلى جنب مع النظام النقدي العالمي القائم على الدولار. فقد استغرقت عملية إحلال اليورو مكان الدولار خمسة عقودٍ من الزمان، واشتملت على إنشاء اتحاد المدفوعات الأوروبي في عام 1950، وتوفير الأموال من وزارة الخزانة الأمريكية للتخفيف من نقص السيولة (مع إجراء التسويات بالذهب أو الدولار)، وإدخال نظام مقاصة خاص بالعملة الأوروبية.
وفي حالة دول البريكس، فهناك بعض العقبات التي تقف في طريق طرح عملة موحدة، حيث أن عدد العمليات التجارية الحاصلة بين الدول الأعضاء محدودةً نسبياً مقارنةً بالعمليات التجارية الحاصلة بينها وبين العضو الرئيسي في مجموعة البريكس، الصين. ولهذا السبب، سيتوجب على الدول الأعضاء ربط عملاتها بالرنمينبي ومواءمة أسعار الصرف الثنائية. وبالإضافة إلى ذلك، سيصبح إنشاء منظمةٍ شبيهةٍ باتحاد المدفوعات الأوروبي وكيانٍ إداريٍ يشبه بنك التسويات الدولية أمراً حتمياً لتوفير سيولة من الرنمينبي للدول التي تعاني من عجز تجاري، مثل الهند وجنوب أفريقيا، أمرا حتميا.
وحتى إذا تمكنت الصين من تحقيق هذا الرؤية، سيقع على عاتقها مهمة الحفاظ على هذا النظام وضمان دعمه بالموارد اللازمة، الأمر الذي سيتسبب بحصولِ تداعياتٍ كبيرةٍ على السياسات النقدية المحلية للبلاد.
مقالات ذات صلة: مجموعة "بريكس" تُخطط لمواجهة العقوبات الأمريكية من خلال عملتها الجديدة
من جهةٍ أُخرى، يعتقد Joseph W. Sullivan الذي عمل سابقاً كخبيرٍ اقتصاديّ في مجلس البيت الأبيض للمستشارين الاقتصاديين، أنه سيكون لعملة البريكس المقترحة تأثيراً إيجابياً على الصعيد العالمي، إذا ما تم طرحها.
فبحسب رأيه، يمكن لدول البريكس تمويل فواتير وارداتها بشكلٍ مستقلٍ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في التجارة الدولية، نظراً إلى الفائض التجاري الذي سجلته في عام 2022، والذي كان قدره 387 مليار دولار. وعلى عكس اتحادات العملات الحالية، فإن مجموعة البريكس، لا تُركز على الحدود الإقليمية، ويمكن أن تنتج مجموعةً واسعةً من السلع، مما يُعزز لديها الاعتماد على الذات.
وعلاوةً على ذلك، فإن النفوذ الاقتصادي الذي يتمتع به البلدان الأعضاء، يجعل "البريكس" أكثر عرضةً للانخراط في الأعمال التجارية العالمية باستخدام العملة المُقترحة، مما يضمن القبول العالمي والمرونة التجارية، ويسمح للسلع بتجاوز القيود والتعريفات التجارية المفروضة.