إنَّ الميتافيرس، الذي كان يُنظر إليه ذات مرة على أنه مساحة مليئة بالتجارب الافتراضية المخادعة واستئجار الأراضي الافتراضية، يتطوَّر الآن تدريجياً إلى منطقةٍ ذات إمكاناتٍ هائلة لتحويل مختلف القطاعات والصناعات. ومن بين المناطق التي رَصدت هذا الاحتمال في وقتٍ مبكر هي الشرق الأوسط، تحديداً الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

بالرغم من السوق الهابطة لمدَّة طويلة ووصفِ الميتافيرس بأنَّه "ميت"، فإنَّ الشركات تعمل بجِدٍّ لبناء تقنية افتراضية وغامرة من شأنها أن تدفع هذا الفضاء إلى الأمام. فقد وضعت إصدارات المنتجات، مثل ’فيجن برو‘ (Vision Pro) من ’آبل‘ (Apple)، الميتافيرس في طليعة عقول الناس، ما يشير إلى الاهتمام بالإمكانات التحويلية للتكنولوجيا.

تتوافق هذه الطفرة في الاهتمام مع توقُّعات شركة ’برايس ووترهاوس كوبرز‘ (PwC)، التي تتنبَّأ بأن يضخَّ الميتافيرس 15 مليار دولار سنوياً في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بحلول عام 2030. وفقاً للتقرير، من المتوقَّع أن تكسبَ صناعةُ السفر والسياحة 3.2 مليار دولار من الميتافيرس، مع متابعة صناعة الألعاب من كثب عند 2.7 مليار دولار.

الميتافيرس في الشرق الأوسط

يتصاعد مشهد الميتافيرس في الشرق الأوسط، حيث يَجري إنشاءُ استثمارات وبرامج مستمرة لتغذية الأهداف الاقتصادية للمنطقة. ففي عام 2022، أعلنت دبي رسمياً عن استراتيجيتها للميتافيرس، التي تهدف إلى تحويل الإمارة إلى اقتصاد ميتافيرس رائد عبر إنشاء 40 ألف وظيفة وضخِّ 4 مليارات دولار في الاقتصاد بحلول عام 2030.

أهداف وركائز استراتيجية دبي للميتافيرس. المصدر: المكتب الإعلامي لحكومة دبي

شهدت المنطقة أيضاً مبادراتٍ مماثلة، مع المشاريع الرائدة لبعض الولايات القضائية التي تسخِّر تقنيةَ الميتافيرس أيضاً. فعلى سبيل المثال، تستفيد مدينة نيوم في المملكة العربية السعودية، وهي مدينة تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار تسمى "الخط"، من الميتافيرس عبر تقنية التوأم الرقمي (DTT)، التي تسمح لمختلف الأطراف المعنية، مثل المطورين والمصممين وعمال البناء وغيرهم، بالتعاون عند بناء المناطق الحضرية بسهولة.

لماذا يراهن الشرق الأوسط على الميتافيرس

تتلخَّصُ استراتيجيةُ دبي للميتافيرس ومبادرة الكون الثقافي للمملكة العربية السعودية وجميع البرامج والاستثمارات الأخرى في الشرق الأوسط في الميتافيرس في شيء واحد: تسويق الوجهة.

تعدُّ صناعة السياحة مساهماً كبيراً في اقتصادات دول الشرق الأوسط، وهي مستمرة في النمو. فالمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تنشرُ تقنيةَ الميتافيرس لدفع نمو السياحة، وهي ركيزة أساسية في خطة رؤية 2030 لجذب 100 مليون سائح سنوياً.

وعبر الواقع الممتد (XR) والتقنيات الغامرة الأخرى، يمكن للشرق الأوسط المساعدة في تعزيز صناعة السياحة الحالية في المنطقة. إذ إنَّ استعادةَ المواقع التاريخية والثقافية، وتجربة الأحداث التاريخية افتراضياً، والمتاحف الافتراضية ليست سوى بعض الاحتمالات مع الميتافيرس.

الجميع يعرف أنَّ الفيديو أفضل من الصور، ولكن برزت التجارب الرقمية الغامرة كبدائل أفضل. بالطبع، لن يحلَّ الميتافيرس أبداً محلَّ الحياة الحقيقية، لكنَّه بالتأكيد سيعزِّزها، حيث سيسمح استخدام تقنية الميتافيرس من أجل السياحة للناس بمشاهدة البلدان بطريقة جاذبة ويمكن الوصول إليها، ما يزيد من احتمال الزيارة.

المزيد على كوينتيليغراف عربي: اتجاهات الويب 3 في الشرق الأوسط لعام 2024: الذكاء الاصطناعي والميتافيرس في الصدارة

الميتافيرس لتسويق الوجهة

لا يرتبط الميتافيرس فقط بعرض الوجهات، بل أيضاً بتحويل كيفية تجربة المستخدمين لها. الشرق الأوسط في طليعة هذه الثورة، وإليك كيف تسخِّر المنطقةُ التكنولوجيا لتجربة سياحية غامرة:

الجولات عبر المُدن

يقدِّم الميتافيرس طريقةً جاذبة وغامرة لتجربة المناطق الحضرية قبل زيارتها. إذ يسمح هذا النهج للمستخدمين بالتخطيط لرحلاتهم و"المحاولة قبل الشراء". تستخدم العديد من الشركات في جميع أنحاء المدن الكبرى في الشرق الأوسط التكنولوجيا الافتراضية لتحقيق ذلك. ومن الأمثلة على ذلك زيارةُ دبي، التي تقدِّم تجربةَ الواقع الافتراضي التي تجذب المستخدمين إلى الإمارة لاستكشاف مناطق مختلفة، بما في ذلك حي الفهيدي التاريخي وفندق برج العرب.

المواقع التراثية

تماماً مثل الجولات عبر المُدن، يُستخدم الميتافيرس أيضاً لتعزيز إمكانية الوصول إلى العديد من المواقع الثقافية والتراثية المهمة. يمكن أن يكون هذا مؤثراً بشكل مذهل، ليس فقط لتثقيف الجماهير حول التاريخ الغني للمنطقة، ولكن أيضاً لجذب الناس لزيارة هذه المواقع المذهلة ورؤيتها بأنفسهم.

تفعل مصر ذلك مسبقاً، حيث أطلقت حملة السياحة الافتراضية إيكو إيجيبت (ECO Egypt)، ما يتيح للناس الفرصة لزيارة بعض المواقع التاريخية في البلاد عبر جولات الواقع الافتراضي وتقنية 360 درجة. كما قدَّم الأردن جولات افتراضية لاستكشاف وترويج زيارة البتراء، أهم موقع ثقافي في البلاد.

المشاريع العملاقة

لم تبتعد دولٌ مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية أبداً عن المشاريع الضخمة، وهي مشاريع استثمارية كبيرة للغاية تستغرق سنوات من التطوير ورأس المال الضخم، مثل مركز الملك عبد الله المالي في المملكة العربية السعودية ونيوم والقدية، التي من المخطط أن تكون أكبر مدينة ترفيهية في العالم وبنحو ثلاثة أضعاف حجم عالم والت ديزني في الولايات المتحدة. تهدف المدينة إلى جذب ما يزيد عن 14 مليون زائر سنوياً، وتقنيةُ الميتافيرس لديها القدرة على أن تكون مساهماً كبيراً في جذب هذا العدد.

رؤية الميتافيرس في الشرق الأوسط

لا يرتبط احتضان الشرق الأوسط الجريء للميتافيرس بالابتكار فحسب، بل أيضاً بتشكيل مستقبل السياحة. فمن الاستكشاف الافتراضي للمدن الصاخبة إلى التجارب الغامرة في المواقع التاريخية، تثبت المنطقة قوةَ الميتافيرس لتعزيز السفر وتحويله. ومع ملاحظة الدول الأخرى للفوائد الاقتصادية والثقافية، يستعدُّ الشرق الأوسط ليصبح رائداً في تحديد الجيل القادم من التجارب الغامرة.

المزيد على كوينتيليغراف عربي: 'ميتا' تسمح لـ 'إكس بوكس' و'لينوفو' و'آسوس' ببناء أجهزة 'ميتافيرس كويست' جديدة

Translated by Albayan Gherra
ترجمة البيان غره