مع حلول عام 2024، يحتل الشرق الأوسط، خاصَّةً منطقة الخليج، موقعاً استراتيجياً في طليعة الابتكار واعتماد التكنولوجيا. إذ توجِّه المنطقةُ اهتمامهاً نحو الويب 3، وهو قطاعٌ مزدهرٌ ولكنَّه تحويليٌّ، ما يدلُّ على التزامٍ قويٍّ بتجاوز التطورات العالمية في التقنيات المتطورة.

أظهرت دولٌ مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بنشاط حماسَها للتقنيات المرتبطة بالويب 3، بما فيها الميتافيرس، والذكاء الاصطناعي (AI)، والبلوك تشين، والترميز، وإنترنت الأشياء (IoT). لذا مع توقُّع ‘بلومبرغ إنتليجنس‘ أن يرتفع سوق الميتافيرس إلى 800 مليار دولار بحلول عام 2024، إليكم خمسة توقُّعات رئيسة حول كيفية إحداث الويب 3 ثورةً في الصناعات في الشرق الأوسط هذا العام.

تبنِّي تكنولوجيا الميتافيرس

يتبنَّى الشرق الأوسط بنشاط تقنيةَ الميتافيرس بوصفها أداةً استراتيجية للتحسين الاقتصادي. إذ تهدف استراتيجيةُ دبي للميتافيرس، على سبيل المثال، إلى بناء اقتصادٍ افتراضيٍّ مزدهر، وتكوين 40 ألف وظيفة افتراضية بحلول عام 2030. في ضوء هذه الجهود، يزداد إدراك الحكومات في المنطقة لإمكانات التوائم الرقمية وغيرها من تطبيقات الميتافيرس، لا سيَّما لتعزيز التجارب السياحية وبرامج التنمية الحضرية.

تصوَّروا نسخاً افتراضية طبق الأصل للمواقع التاريخية التي تحافظ على التراث وتعزِّز السياحة أو التوائم الرقمية ثلاثية الأبعاد للمباني التي تسمح لمشتري العقارات باستكشاف العقارات من أي مكان في العالم. فكرّوا في "المدن الذكية 2.0"، حيث تسمح التوائم الافتراضية للمباني والبنية التحتية للمخططين بتعديل تدفُّقات حركة المرور واختبار حلول الطاقة الخضراء، وإتقان البنية التحتية والخدمات في بيئة إلكترونية خالية من المخاطر.

حتى الخدمات العامة يمكن تعزيزها، ما يتيح للمواطنين إمكانيةَ الوصول على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع والمشاركة الغامرة مع الحكومة. كما تمتد هذه القوة التحويلية إلى السياحة، حيث تجذب الزوارَ العالميين دون قيود السفر المادي، وتقدِّم بديلاً مستداماً يحمي المواقعَ التاريخية مع تنويع الصناعة وتغذية النمو الاقتصادي.

بالإضافة إلى حالات الاستخدام المتعددة هذه، يستكشف الشرق الأوسط بنشاط دمجَ ألعاب الويب 3 في مشهده التكنولوجي. فعلى وجه الخصوص، تستفيد المملكة العربية السعودية بشكل استراتيجي من ألعاب البلوك تشين وتقنيات الويب 3 كجزء من مبادرتها لرؤية 2030 لتنويع الاقتصاد بعيداً عن الاعتماد على النفط. مع وجود مجموعة سكانية شابة تدرك ماهيةَ العالم الرقميِّ والترابط، تعدُّ المملكة محركاً رئيساً لنموِّ سوق الألعاب في الشرق الأوسط. كما يسهمُ أكبرُ اقتصادٍ في العالم العربي في هذا الزخم، حيث يمثِّل 45٪ من القطاع بقيمة تتجاوز 1.8 مليار دولار، وفقاً لتقرير صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية.

اقتران الذكاء الاصطناعي بالويب 3

يستعدُّ الذكاء الاصطناعي لإحداث أثرٍ كبير على اقتصاد الشرق الأوسط، ويُحتمل أن يضيف 320 مليار دولار، وفقاً لشركة برايس ووترهاوس كوبرز. من الناحية النسبية، من المقرَّر أن تكون دولة الإمارات العربية المتحدة الأكثر تأثيراً، حيث تسهم التكنولوجيا بنسبة 14٪ بحلول عام 2030. من ناحية أخرى، يمكن للمملكة العربية السعودية تحقيق أكبر المكاسب من حيث القيمة المطلقة بقيمة 135.2 مليار دولار خلال الفترة نفسها. على هذا النحو، تستحوذ الشركات والوكالات العامة في المنطقة بنشاط على القيمة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي. فعلى سبيل المثال، استخدمت شركة كريم، وهي شركة مقرُّها دبي تعمل في جميع أنحاء المنطقة، الذكاءَ الاصطناعي لمواجهة 35000 مستخدم احتيالي على منصتها التي توفر خدمات توصيل الطعام والمدفوعات والنقل.

وبحسب ما ورد، تعامل المساعد الافتراضي لهيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي مع نحو 6.8 مليون استفسار منذ إطلاقه في عام 2017. في الوقت نفسه، أبلغ مركز الثورة الصناعية الرابعة في أرامكو السعودية عن انخفاض بنسبة 50٪ في انبعاثات التوهج منذ عام 2010، والذي تحقَّق عبر البيانات والذكاء الاصطناعي لمراقبة الظروف واتخاذ تدابير تصحيحية استباقية.

دول الخليج التي ستستفيد أكثر من الذكاء الاصطناعي. المصدر: PwC

إنَّ دمج الذكاء الاصطناعي مع الويب 3 يعزِّز أمنَ البيانات والخصوصية. فعبر لامركزية نماذج الذكاء الاصطناعي، يزيل الويب 3 نقاطَ الفشل الفردية، ما يقلِّل من مخاطر الأنظمة المركزية المخترَقة. كما تكوِّن القوةُ المشترَكة للذكاء الاصطناعي والعقود الذكية أيضاً إمكاناتٍ مذهلة للاتفاقيات ذاتية التنفيذ التي تستجيب بشكل مستقل للأحداث المحدَّدة مسبقاً، ما يبسِّط العمليات عبر الصناعات المتنوعة.

نمو البلوك تشين

في عام 2016، بدأت حكومة دبي خطَّةً طموحة لتحويل جميع الوثائق الحكومية رقمياً عبر تقنية البلوك تشين. واليوم، تمثِّل دبي نموذجاً عالمياً لهذه الرؤية، حيث حقَّقت تميُّزاً ملحوظاً بكونها أوَّل حكومة رقمية لا ورقية في العالم.

لم يؤدِّ التحوُّلُ نحو حكومة لا ورقية إلى تبسيطِ المعاملات الداخلية والخارجية فحسب، بل أحدثَ أيضاً أثراً إيجابياً هائلاً على كفاءة الحكومة. ففي عام 2023، أظهرت دبي التزامَها بالابتكار عبر إدخال حدود "خالية من البوابات" مع وصولٍ بيومتري منفرد في مطار دبي الدولي؛ يجمع هذا الحل بين التحقُّق البيومتري وتقنية البلوك تشين، ما يمثِّل علامةً فارقة أخرى في رحلة المدينة نحو التميُّز التكنولوجي.

بالإضافة إلى الخدمات الحكومية، تعمل طبيعة البلوك تشين الثابتة على تحويل الصناعات المتنوعة، وتمكينها من العمل بشكل مفتوح وآمن. فإنَّ إضفاءَ الطابع الديمقراطي على البيانات يمكّن جميعَ أصحاب المصلحة، من الموردين إلى المستهلكين، من الوصول إلى المعلومات نفسها، ما يُنشئ الثقةَ والشفافية. وبالتالي، يجري تقليلُ حالات الاحتيال والفساد بشكل كبير في صناعاتٍ مثل التمويل وإدارة سلاسل التوريد والخدمات الحكومية. تقدِّم البلوك تشين إمكاناتٍ مذهلة لإضفاء الطابع الديمقراطي على الخدمات المالية عبر التمويل اللامركزي (DeFi). فعبر تقديم الخدمات المالية للسكان الذين يعانون من نقص الخدمات المصرفية، يمكن للتمويل اللامركزي أن يعزِّز بشكل كبير الشمول المالي وأن يمكِّن الأفراد.

ترميز أصول العالم الحقيقي

يمكن أن يفيد ترميز أصول العالم الحقيقي (RWA)، الذي يمثِّل الأصول المادية في شكل رموز رقمية على البلوك تشين، مجموعةً من الصناعات، من العقارات إلى التجارة. يمكّن هذا النهج المبتكر المستثمرينَ من وسائلَ مختلفةٍ للمشاركة في فرص حصرية سابقة في حين تعمل العقود الذكية على تبسيط الالتزام التنظيمي. تعدُّ العقارات مثالاً رئيساً، حيث تفتح ملكية الرموز المجزَّأة الأبوابَ لمشاركة أوسع في المشروعات الكبرى، لا سيَّما بالنسبة للدول ذات خطط التنمية الطموحة، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

علاوة على ذلك، فإنَّ مشروعات مثل بروتوكول ماتيرا تأخذ ترميز أصول العالم الحقيقي خطوةً إلى الأمام عبر تمكين التكامل السلس للعوالم الافتراضية مع شبكات البلوك تشين. وهذا يفتح العديدَ من الاحتمالات لصناعات مثل العقارات، حيث يمكن إنشاء نسخ متماثلة افتراضية للأصول المادية وترميزها وتداولها. تخيلوا امتلاكَ جزءٍ صغير من ناطحة سحاب افتراضية في دبي، مع شقق وشركات رقمية - تُدرَج جميعاً عبر تقنية البلوك تشين الآمنة والشفافة.

يسهِّل بروتوكول ماتيرا المنتمي للطبقة الثانية زيادةَ إنتاجية المعاملات وتقليلَ الرسوم في العوالم الافتراضية عبر تجميع الأنشطة خارج السلسلة قبل دمجها مرة أخرى في السلسلة الرئيسة. المصدر: لاندفولت

تَكامُل الويب 3 وإنترنت الأشياء

إنَّ دمجَ تقنيات إنترنت الأشياء والويب 3 يبشِّر بالخير للشرق الأوسط، ما يكوِّن مشهداً من الأجهزة المادية المترابطة التي تتواصل وتشارك البيانات عبر الإنترنت. تحتلُّ المنطقة المرتبةَ الثانية في العالم من حيث تبنِّي تكنولوجيا إنترنت الأشياء، مع معدَّلِ نموٍّ سنوي مركَّب متوقَّع قدره 27.5٪. ومن الجدير بالذكر أنَّ مبادرات مثل "دبي الذكية" عزَّزت تبنّي إنترنت الأشياء، حيث قدَّمت ابتكاراتٍ مثل مواقف السيارات التي تدعم إنترنت الأشياء، والمراقبة المباشرة لحركة المرور، وشبكات الطاقة الذكية.

تستفيد أجهزة إنترنت الأشياء، المعروفة بتخزين كميات هائلة من البيانات، بشكل كبير من تكاملها مع تقنيات الويب 3، التي تتيح منصَّةً آمنة ولا مركزية لإدارة هذه المعلومات القيمة والتحكُّم فيها وتحقيق الدخل منها.

يقدِّم تطبيق تقنيات الويب 3 شبكةً آمنة عبر البلوك تشين، وتعيينِ هويةٍ فريدة لكلِّ جهاز يدعم إنترنت الأشياء، ما يؤدي إلى التخفيف من المخاطر المرتبطة بانتحال الشخصية والوصول غير المصرِّح به. علاوةً على ذلك، تسهِّل تقنيات الويب 3 مشاركةَ أجهزة إنترنت الأشياء في تبادل البيانات اللامركزي، ما يمنح المستخدمين سيطرةً أكبر على بياناتهم إلى جانب القدرة على تحقيق الدخل منها. لا يعزِّز هذا التآزرُ بين إنترنت الأشياء والويب 3 أمنَ البيانات فحسب، بل يمكّن الأفراد أيضاً من الحصول على قَدْرٍ أكبر من الاستقلالية بشأن معلوماتهم في المشهد الرقمي دائمِ التطور في الشرق الأوسط.

الخاتمة

بينما نتطلَّع إلى مستقبلِ المشهد التكنولوجي في الشرق الأوسط في عام 2024، تَظهرُ تقنياتُ الويب 3 بوصفها قوةً تحويليةً تُشكِّل الصناعات في جميع أنحاء المنطقة. لقد أدَّى تقاربُ تكنولوجيا الميتافيرس، والذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، والترميز، وإنترنت الأشياء إلى جعل دول مجلس التعاون الخليجي، خاصةً الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، قادةً في سباق التكنولوجيا العالمي.

تؤكِّد المبادرات الاستراتيجية، مثل استراتيجية دبي ميتافيرس ورؤية المملكة العربية السعودية 2030، الالتزامَ بالاستفادة من هذه الابتكارات لأجل النموِّ الاقتصادي والتنويع. وعبر قيادة الطريق في هذا المجال الرقمي، لا تتوقف جهود منطقة دول مجلس التعاون الخليجي فقط على تعزيز اقتصادها الخاص، بل إنَّها تجذب أيضاً مجموعةً من المواهب العالمية التي تسعى إلى أن تكون جزءاً من ثورة تكنولوجية تعطي الأولويةَ للابتكار والشفافية والشمولية.

Translated by Albayan Gherra
ترجمة البيان غره