يشهدُ المشهد المهنيّ العالميّ سباقاً بين العاملين والخبراء، باختلاف فئاتهم، نحو تحصيل أكبر قدرٍ ممكن من خبرات ومهارات الذكاء الاصطناعي. فقد أصبح من الواضح للجميع أن الذكاء الاصطناعي سيعيدُ صياغةَ المُستقبل بشكلٍ عام، والوظائف على وجه الخصوص، بما يتماشى مع القطاع سريع التطور.
فوفقاً لتقرير "لينكد إن" الأخير، شهدت إعلانات الوظائف العالمية، المنشورة باللغة الإنجليزية، والتي تتطلب مهاراتٍ تتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل "ChatGPT"، زيادةً قدرها 21 ضعفاً، منذ نوفمبر 2022.
وقد سجل يونيو عام 2023، ارتفاعاً بنسبة 9 أضعاف في عدد أعضاء "لينكد إن" على مستوى العالم، الذين يعرضون مهاراتهم المُتعلقة بالذكاء الاصطناعي على ملفاتهم الشخصية، مقارنة بشهر يناير 2016.
كما صرح (47٪) من المدراء التنفيذيين الأمريكيين بأنهم متفائلون بقدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي (GAI)، ويعتقدون أنه يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز الإنتاجية.
وبالرغم من ذلك، أكد (92٪) من الذين شملهم الاستطلاع على أن المهارات الشخصية لا تزال ذات أهمية قصوى.
تُشير الأرقام السابقة إلى أنه بالرغم من التأثير الهائل للذكاء الاصطناعي على القطاع المهني، فإنه لن يُشكل خطراً على الوظائف، بل سيعززها ويزيد من إنتاجيتها.
الصعود السريع للذكاء الاصطناعي في سوق العمل:
أشار التقرير بشكلٍ واضحٍ إلى أن الخبراء في جميع أنحاء العالم بدأوا يعرضون بشكلٍ متزايدٍ مهاراتهم المتعلقة بـ"الذكاء الاصطناعي التوليدي" وروبوت المحادثة "ChatGPT" و"الهندسة من خلال الذكاء الاصطناعي" على ملفاتهم الشخصية.
ففي يونيو وحده، تمت إضافة هذه المهارات 15 مرة أكثر مما كانت عليه في يناير.
في السابق، وتحديداً في عام 2016، كان هنالك 3 أشخاصٍ فقط من بين كل 1000 شخص يُمكن اعتبارهم مُبدعين في قطاع الذكاء الاصطناعي. أما الآن، فقد ارتفع هذه الرقم ليصل إلى 17 شخصاً من بين كلّ 1000 شخص.
وعلاوةً على ذلك، بحلول يونيو عام 2023، تضاعفت قاعدة الخبراء في الذكاء الاصطناعي ثمانية مرات، مقارنةً بيناير 2016.
تقود دولٌ، مثل سنغافورة وفنلندا وأيرلندا والهند وكندا، ثورة الذكاء الاصطناعي هذه، مع انضمامِ صناعاتٍ تتجاوز التكنولوجيا، مثل البيع بالتجزئة والتمويل، إلى المشهد.
فقد أشار التقرير أيضا إلى أن عدد المستخدمين الذين يضيفون مهارات الذكاء الاصطناعي في سنغافورة قد ازداد 20 ضعفاً منذ يناير 2016، بينما تقترب فنلندا وأيرلندا والهند وكندا من الأرقام المذكورة.
يشير الرسم البياني أعلاه إلى تركيز الدول المُختلفة على مهارات الذكاء الاصطناعي . المصدر: لينكد إن
أما في الولايات المتحدة، ففي حين أن قطاع التكنولوجيا يضم أعلى نسبة من الخبراء الأمريكيين مجال الذكاء الاصطناعي، فإن قطاعاتٍ أخرى، مثل الخدمات المالية وتجارة التجزئة، تتوسع أكثر فأكثر في القطاع الناشئ.
ومن المثير للاهتمام أن (51 ٪) من المُدراء التنفيذيين الأمريكيين قد صرحوا بأنهم مُتحمسين لإمكانات الذكاء الاصطناعي، إلا أنهم غيرَ مُتأكدين من وجوب تطبيقه داخل مُؤسساتهم.
وفي حين أن (76٪) من الأفراد أقروا بأنهم منفتحين على فكرة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعامل مع المهام الإدارية، فإن (79٪) من اللذين شملهم الاستطلاع يرغبون في اختبار قدراته في المهام التحليلية، و(73٪) في المهام الإبداعية.
الذكاء الاصطناعي التوليدي يُعيد صياغة المشهد المهني:
مع تزايد دمج الشركات لهذه التقنيات بوظائفها وأعمالها، ستتطور الأدوار الوظيفية، وسينصب كامل التركيز على المهارات الإبداعية والشخصية.
فقد أشار التقرير إلى أن (84٪) من المهنيين الأمريكيين يُمكنهم استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لأتمتة ربع مهامهم اليومية المُتكررة على الأقل، مما يعزز الإنتاجية بشكلٍ كبير.
ولن يقلل هذا التحول من العمل الروتيني المُمل فحسب، بل سيزيد أيضاً من الطلب على المهارات المتخصصة.
فعلى سبيل المثال، قد ينتقل المترجمون من الترجمة المباشرة إلى الإشراف على الترجمات التي يتم إنشاؤها آلياً، أو التركيز على المجالات المتخصصة، مثل المحتوى القانوني.
الترقب والحماس يُخيمان على المشهد:
أعلن (4٪) فقط من المدراء التنفيذيين انخفاضاً في القوى العاملة لديهم بسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي.
كما كشف التقرير أيضاً عن تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي على مهنٍ محددة:
التعليم: يُمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي تعزيز (45٪) من مهام التدريس، من خلال تخطيط الدروس باستخدام (GAI) على سبيل المثال. ومع ذلك، ستبقى التفاعلات المباشرة مع الطلاب جانباً أساسياً من جوانب التدريس التي لا يمكن الاستغناء عنها.
هندسة البرمجيات: يُمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي المُساعدة في (96٪) من مهام المهندس، مثل الترميز وكتابة الأكواد البرمجية. ويُمكن أن يسمح هذا التحول للمهندسين بالتركيز على الجوانب الحاسمة الأخرى في أدوارهم، مثل التواصل الفعال ووضع الخطط المُحكمة.
البناء: قد يستفيد (11٪) فقط من مهندسي ومختصي البناء من الذكاء الاصطناعي التوليدي في أداء مهامهم، وتشمل المهام المُحتملة بشكلٍ أساسي، الرسم والمخططات المتعلقة بالبناء.
مقالات ذات صلة: مُخيم الإمارات للذكاء الاصطناعي يختتم فعالياته بنجاحٍ لافت
تؤكد الأرقام المذكورة على أهمية الخبرات البشرية بالرغم من المُساعدة الكبيرة التي يُمكن أن يقدمها الذكاء الاصطناعي التوليدي في أداء المهام.
إن دمج الذكاء الاصطناعي بالمهام اليومية للقوى العاملة هو أمرٌ لا مفر منه، وفي حين أنه هذه التكنولوجيا المُستقبلية تعد بالكفاءة والابتكار، لا تزال اللمسة الإنسانية لا غنى عنها في العديد من القطاعات، أي أنّ التوازن بين الذكاء الآلي والمهارات البشرية سيكون التوجه الجديد للمشهد المهني في المستقبل.