حيث تمثل أوراق الاعتماد الأكاديمية المزيفة، والتي تتنوع ما بين درجة البكالوريوس والدكتوراه، خطراً جسيما على مستوى العالم. فقد ذكرت National Student Clearinghouse، وهي منظمة أمريكية غير حكومية، متخصصة بخدمات التحقق من الدرجات الجامعية، أن السجلات الأكاديمية المزيفة هي مشكلةٌ "خطيرةٌ ومنتشرةٌ جداً وتتزايد باستمرار." وفي عام 2015، نشرت صحيفة نيويورك تايمز عن صناعة تُقدر قيمتها بمليار دولار، وتشتمل على 3,300 "مصنع للشهادات المزيفة". وتركز تلك الصناعة بشكل أساسي على بيع الشهادات المزيفة، والتي تنتمي لجميع مستويات الدرجات العلمية، في جميع أنحاء العالم.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المشكلة المتنامية تمتلكُ أبعاداً أشدّ تعقيداً من مجرد عدم فعالية الطرق التقليدية في التحقق من الشهادات وصعوبتها، أو تعدد التكاليف والرسوم للحصول على الأختام والتصديقات  الرسمية. حيث أن هناك العديد من الحالات التي اكتشف فيها مُتأخراً أن أوراق الاعتماد الأكاديمية للعاملين في القطاع الحكومي والخاص قد تم تزويرها، حتى بعد القيام ببعض عمليات التحقق التقليدية.

ويصف الدكتور محمد الحميري، المُحاضر ورئيس مكتب نقل التكنولوجيا ومدير المشروع في مركز الابتكار وريادة الأعمال في جامعة الشارقة، عملية التحقق الحالية بأنها "تقليدية ومعقدة  وتستغرق وقتاً طويلاً"، مضيفاً أن الطريقة التقليدية "تفتقر إلى الكثير من المقومات التي تتيحها التكنولوجيا الحديثة". وقال:

"إن النظام الحالي لإصدار الشهادات الأكاديمية والتحقق منها يعتبر متأخر عن التكنولوجيا المنتشرة بعدة بسنوات."

ولمعالجة هذه المشكلة، يُركز الحميري وفريقه في جامعة الشارقة على الصفات الأمنية المتقدمة  في تكنولوجيا البلوكتشين ومنها تقنية تشفير البيانات، وقدرتها على تسجيل المعلومات كبيانات دائمة وغير متاحة  للتلاعب، مما يتيح التحقق من صحة البيانات بدقة كبيرة وبثقة من المنشأ.

تكنولوجيا البلوكتشين لتخزين أوراق الاعتماد الأكاديمية والتحقق منها

قال الحميري لكوينتيليغراف أن الجامعة دخلت في شراكة مع جمعية البلوكتشين (BSV)، التي تتخذ من سويسرا مقراً لها، لنشر نظام قائم على البلوكتشين، بهدف تبسيط عملية التحقق من صحة الشهادات الأكاديمية، ودعم الاعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي.

ووفقاً للحميري، يمكن مراجعة سجلات الطلاب المُخزنة على شبكة البلوكتشين والتحقق منها بدقة، فعملية التحقق ستفشل إذا كان هناك أي تناقضٍ في البيانات. وأضاف أيضاً أنه نظرا لثبات النظام الأساسي وانعدام القدرة على تعديله، فإن جميع البيانات الموجودة بداخل السجلات ستبقى محفوظة إلى الأبد، ولن يتمكن أحد من إزالة السجل أو التلاعب به.

كما أوضح المحاضر أن الشهادات الصادرة من مكتب التسجيل في الجامعت سيتم إرسالها مباشرةً إلى وزارة التربية والتعليم المعنية  عبر شبكة البلوكتشين للتحقق منها والتصديق عليها، وسيكون بالإمكان التحقق  منها  لاحقاً من خلال المنصة من اي جهة سواء من الجامعات الاخرى أو جهات العمل. وأشار إلى أن هذه العملية تلغي حاجة الطلاب للمرور بعملية شاقة ومتعبة، مضيفاً:

"إذا أراد الطلاب التقديم على جامعة أخرى أو وظيفة أخرى مع أي شركة، فما عليهم سوى تقديم رابط [سجلاتهم على البلوكتشين]، وسترسل الجامعة أو الموارد البشرية فقط طلب التحقق، وسيرد [النظام] عليهم بأنه "تم التحقق من ذلك، وتمت الموافقة على الطلب المُقدم، وهذا هو حقاً كل ما نحتاجه".

ووفقاً للحميري، توفر المنصة أيضاً إمكانية الوصول للطلاب المكفوفين والصم وذوي الاحتياجات الخاصة. وإلى جانب الموقع العام، سيكون النظام متاحاً أيضا على الأجهزة المحمولة.

ومنذ الكشف عن المشروع الجديد القائم على تكنولوجيا البلوكتشين في العام الماضي، أشار الحميري إلى أنهم تلقوا عدة طلباتٍ من جامعاتٍ مختلفةٍ في الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا والصين، للانضمام إلى شبكة البلوكتشين العامة التابعة لهم بعد اطلاق المنصة، حيث قال:

"إنهم يرغبون  بالانضمام إلى شبكة البلوكتشين العامة هذه، وأن يكونوا جزءاً منها، ليتمكنوا من الحفاظ على بيانات الخريجين في شبكة آمنة يمكن التحقق من خلالها في صحة البيانات وبسهولةمع الحفاظ على خصوصية البيانات من خلال المفاتيح الخاصة".

وقال الحميري أيضا أنهم ينظرون في إمكانية إجراء عمليات تكامل محتملة مع شبكات البلوكتشين التي تستخدمها الجامعات والوزارات الأخرى. وأوضح:

"يُمكن لكل من يريد الانضمام إلى الشبكة، أن يستخدم أي شبكة بلوكتشين يريدها..ويمكن للجميع الانضمام إلى الشبكة في المستقبل. إننا لا نقتصر على شبكة بلوكتشين واحدة فقط، فنحن ندعم ا العمل مع العديد من شبكات البلوكشيتن والتقنيات مفتوحة المصدر (Open Source).

وكشف الحميري أيضاً أن فريقهم وصل إلى نهاية المراحل التجريبية، وقد بدأت المنصة بالاستعداد للدخول إلى المرحلة التجارية. كما أنهم يخططون الآن لإطلاق شركة ناشئة مستقلة لتقديم الخدمات المتعلقة بحلول الاعتماد الأكاديمي قريباً، وستفتح أبوابها أمام الجامعات والوزارات الأخرى للانضمام إلى المشروع، حيث قال:

"إذا سارت الأمور على ما يرام، فسنبدأ العمل في غضون شهرين [من مارس]. ونحن نتطلع إلى تجسيد هذه الفكرة ونقلها إلى السوق ككيانٍ تجاريٍ قادرٍ على خدمة المجتمع".

على الرغم من التحديات، فإن الفرص هائلة

في حين أن استخدام تكنولوجيا البلوكتشين ينطوي على العديد من الفوائد، بما في ذلك التخزين الفعال من حيث التكلفة، وإمكانية التحقق من سجلات الطلاب بشكل دقيق، وتوفر النصوص الإلكترونية ومنصات التعلم الآلي، بالإضافة إلى إمكانية دفع الرسوم بالعملات المشفرة، إلا أن الحميري أقرّ بأن تبني هذه التكنولوجيا الناشئة لا يزال مصدراً للقلق، وقال:

"سيكون بالتأكيد التحدي الحقيقي هو التبني التام لهذه التقنيات بشكل واسع، وربما هذا هو التحدي الرئيسي".

ووفقاً لاستطلاع أجرته شركة الأبحاث غارتنر عام 2019، فإن 2٪ فقط من مؤسسات التعليم العالي كانت تتبنى تكنولوجيا البلوكتشين، بينما كان 18٪ من المؤسسات تخطط للقيام بذلك خلال العامين المقبلين.

وفي سياق دولة الإمارات العربية المتحدة، أوضح الحميري أن المؤسسات التعليمية في الدولة تتبع منهجا أكاديميا رصينا يواكب التقنيات الحديثة ومتطلبات سوق العمل وقد تحتاج  بعض المراجعة والتحديثات من قبل وزارة التربية والتعليم للتأكد من تبني أحدث التقنيات والتكنولوجيا التي تتطور يومياً. 

ومع ذلك، أشار الحميري إلى أن العديد من المؤسسات الأكاديمية قد بدأت بالفعل في تدريس المقررات القائمة على البلوكتشين في إطار بعض المساقات الاختيارية، كما بدأت بالعمل على تضمين هذه المواضيع في دورات الكمبيوتر والتكنولوجيا والابتكار.

وقال الحميري أيضاً أن جامعة الشارقة تحثُّ طلابها على التعرف على كل ما يخص تكنولوجيا البلوكتشين والميتافيرس و Web3.0، وحضور العديد من الدورات التدريبية المجانية التي تنضمها أو تستضيفها الجامعة ، كما تم التعاون مع بعض المؤسسات   لتدريب الطلاب من قبل مزودي حلول البلوكتشين والشركاء في الدولة   أو خارجها.

وبالإضافة إلى الحلول التي توفرها تكنولوجيا البلوكتشين، مثل التحقق من السجلات والشهادات، أطلقت جامعة الشارقة وBSV في أواخر العام الماضي مشروعاً مشتركاً جديدا للبحث والتطوير، حيث بهدف إلى عرض التراث الثقافي لدولة الإمارات العربية المتحدة في عالم الميتافيرس، والحفاظ عليه  على هيئة رموز غير قابلة للاستبدال (NFTs) وإتاحة امكانية تبادلها او بيعها بين أفراد المجتمع وعرضها في متاحف افتراضية في عالم الميتافيرس.