تؤكد المبادرة الأخيرة لأكبر أربعة شركات تدقيق في العالم - ديلويت وإرنست آند يونغ وكي بي إم جي وبرايس ووترهاوس كوبرز - للانضمام إلى برنامجٍ تجريبي يضم ٢٠ مصرفًا تايوانيًا لاختبار تكنولوجيا بلوكتشين للتدقيق المالي، كيف تسير التطورات في مجال التدقيقات الخارجية.

فعلى الرغم من أن المدققين قد تم انتقادهم في بعض الأحيان بسبب افتقارهم إلى القدرات اللازمة لاكتشاف المشكلات قبل أن تنفجر، إلا أن التدقيق الخارجي هو جزء أساسي من بيئة الضمان للمجموعات الدولية، سواء الخاصة أو العامة.

ويمكن تعريف ذلك على أنه عملية إجراء فحص موضوعي لحسابات المؤسسات وسجلاتها ووثائقها وعملياتها الداخلية من أجل تحديد إذا ما كانت تقدم حالة "حقيقية وعادلة" للأداء المالي والمركز المالي. ويستند ذلك إلى مجموعة من المبادئ التوجيهية المحددة سلفًا - عادةً ما تكون معايير الإبلاغ المالي الدولية أو المبادئ المحاسبية المقبولة عمومًا - للتحقق من دقة البيانات المالية للشركات.

إذًا ما هو الرابط بين التدقيق وبلوكتشين؟ وما الذي يمكن أن يتغير على المدى القصير وما الذي قد لا يتغير؟

ما يمكن أن يتغير

على الرغم من الخضوع للتنظيم من قبل العديد من المعايير والممارسات، فإن التدقيق الخارجي غالبًا ما يكون عملية مكثفة تتطلب من فريق من المهنيين قضاء فترة زمنية طويلة لمراجعة العدد الهائل من المعاملات وحسابات سجلات العميل. وفي هذا السيناريو، يمكن أن تلعب تقنية بلوكتشين دورًا مؤثرًا حقًا.

فوفقًا لما حدده المدير المالي للاتحاد الدولي للمحاسبين (IFAC)، راسل غوثري:

"تعمل التكنولوجيات الجديدة، مثل بلوكتشين والذكاء الاصطناعي، على تطوير مجال المهن العالمي، مما يرفع من مستوى الطلب ويزيد الطلب على المهارات والكفاءات الجديدة للقوى العاملة".

وبما أن بلوكتشين لها أساسها في مفهوم دفتر السجلات الموزع وعلم التشفير - الذي يعد بالشفافية، والثبات، والأمن، والقدرة على التدقيق، وكفاءة التكلفة العالية وهو "متوفر دون قيود" - يرتبط التطبيق الفوري لتكنولوجيا بلوكتشين في عمليات التحقق من صحة نتائج التدقيق بإجراءات التأكيد الخارجية.

حيث تعتبر التأكيدات الخارجية جزءًا هامًا من جميع عمليات التدقيق، نظرًا لأنها تعطي لفريق التدقيق القدرة على التحقق من المصادر الخارجية للمعلومات التي يتم توفيرها داخليًا من قبل الشركة. ولكن ماذا لو كان دفتر السجلات لمثل هذا الكيان على شبكة بلوكتشين عامة لامركزية؟

في سيناريو من هذا القبيل، سيتمكن المدققون من الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية للشركة دون الحاجة إلى تأكيدها من خلال إجراء تأكيد خارجي، وبالتالي سيتم توفير الوقت والموارد.

حيث إنها تكون بيئة يمكن فيها الوصول إلى جميع دفاتر السجلات بسهولة، ولا يزال من الممكن إجراء عمليات التدقيق عبر المعاملات. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الشركة "أ" تتحمل مسؤولية مع الشركة "ب"، فيمكن لمدققي الحسابات أو أي من أصحاب المصلحة بسهولة التحقق مما إذا كان يتم تسجيل ذلك بشكل صحيح أم لا، وذلك عن طريق مراجعة السجلات العامة المعنية.

كما ستسهل المعلومات الجاهزة الوصول عملية مراجعة التفاصيل المصرفية، حيث يقوم مراجعو الحسابات الخارجيون بفحص جميع المعلومات المتعلقة بالشركة والمصارف التجارية، بما في ذلك الحسابات المصرفية والقروض والضمانات والسلطات الموقعة.

ما لن يتغير

نظرًا لأن نطاق بلوكتشين واسع ويتطلب تركيزًا ووقتًا مخصصًا للبحث عن أفضل السبل لاستخدامه التكنولوجيا في بناء التطبيقات العملية، فقد يتطلب مجال تقدير النشاط التجاري وأنشطة التدقيق ذات الصلة مزيدًا من الوقت للتغيير والتأثر بواسطة بلوكتشين. حيث ترتبط أمثلة التقديرات المحاسبية المشتركة بتعريف القيمة العادلة للأصل وإدراك بالإيرادات وتحديد المستحقات.

وتتضمن عملية تحديد التقدير عناصر من الشكوك التي يتم التخفيف منها في الغالب من خلال معرفة الأعمال، واستخدام مقارنات السوق والبيانات التاريخية.

وفي سيناريو حيث يتم اعتماد بلوكتشين على نطاق واسع، وحيث تكون المعاملات سهلة الوصول وشفافة، من المحتمل أن تنخفض الحاجة إلى تقديم تقدير محاسبي - وما يتصل بذلك من التخمين من إدارة الشركة والمدقق الخارجي.

كيف يتفاعل اللاعبون الكبار مع ابتكارات بلوكتشين

يهيمن على سوق التدقيق الدولي ما يسمى بـ "الأربعة الكبار": برايس ووترهاوس كوبرز (PwC)، وكي بي إم جي، وإرنست آند يونغ (إي واي)، وديلويت، التي شهدت إيراداتها، بفضل الطفرة الاقتصادية، زيادة مطردة خلال السنوات القليلة الماضية.

Chart

المصدر: موقع ستاتيستا

وفي هذه البيئة الديناميكية، تُطلق الشركات الأربع الكبرى مبادرات محددة تهدف إلى زيادة كفاءة أنشطة التدقيق وتطوير أدوات الضمان.

وبشكل أكثر تحديدًا، في مايو ٢٠١٦، تم إنشاء أول مختبر بلوكتشين في ديلويت في دبلن، من أجل العمل مع المنظمات الدولية التي تتطلع إلى طرح الحلول الممكّنة باستخدام بلوكتشين في مختلف البلدان. كما وجدت ديلويت مؤخرًا أن تقنية بلوكتشين ستصبح مصدرًا مهمًا لصناعات السلع بالتجزئة وتعبئتها.

في حين أصبحت شركة إرنست آند يونغ (إي واي) أول شركة استشارية تقبل بيتكوين لخدماتها. حيث كان لدى عملاء إرنست آند يونغ سويسرا خيار تسوية فواتيرهم لخدمات التدقيق والاستشارة باستخدام بيتكوين منذ بداية عام ٢٠١٧. كما أعلن نفس الفرع السويسري دعمًا رسميًا وعضوية برابطة بيتكوين السويسرية (BAS).

وفي نوفمبر ٢٠١٦، أطلقت برايس ووترهاوس كوبرز خدمات فولكان دسجستال أسيت سرفيسز لتمكين استخدام الأصول الرقمية في الأعمال المصرفية اليومية، والتجارة وغيرها من الخدمات المتعلقة بالعملة الشخصية والأصول. كما استحوذت الشركة على حصة أقلية في الشركة الصينية الناشئة "فيتشاين". وتستخدم هذه الشركة تقنية بلوكتشين لحماية العلامات التجارية والمنتجات الخاصة بالعملاء من خلال إنشاء سلسلة توريد شفافة تسمح بالتحقق من المنتج وتتبعه.

وقد شارك بيير إدوارد وال، رئيس قسم بلوكتشين في برايس ووترهاوس كوبرز سويسرا، أنشطة شركته ذات الصلة ببلوكتشين مع كوينتيليغراف:

"لدينا عرض خدمات واسع جدًا: فنحن نعمل مع الشركات الناشئة، ونعمل مع الشركات القائمة، ونحن نقدم - لا أقول خدمات كاملة بعد، لأنه لا يزال هناك نقص في الوضوح، ولكننا نريد أن نقدم عمليات التفتيش الأولى لضمان القيام بالأمور بشكل صحيح، ونأمل أن يمكننا ذلك، إذا سمح لنا المنظمون بذلك، للتدخل. وبالنسبة لشركة برايس ووترهاوس كوبرز سويسرا، حيث يتوفر لدينا عملاء كبار يقدمون خدمات العملات المشفرة لعملائهم، فإننا بحاجة إلى إيجاد طريقة لتدقيق ذلك. ولكن لدينا طرق للتأكد من أن الأموال تخضع لسيطرة الأشخاص المناسبين. كما نعمل أيضًا على مستوى البنية التحتية، حيث نعمل مع الكثير من عمليات الطرح الأولي للعملات الرقمية على مستوى العالم. ونحن نقدم خدمات ضريبية قانونية، وخدمات تأمين، وخدمات هندسية، ونوع من المراجعة للتعليمات البرمجية - وأنا لا أحب كلمة التدقيق هناك لأنها تجعل ذلك يبدو وكأنه مضاد للرصاص، وما هي إلا عملية مراجعة من قبل شخص آخر."

وفي سبتمبر ٢٠١٦، أطلقت كيه بي إم جي خدمات دفتر سجلات رقمي - وهي مجموعة من الخدمات المصممة لمساعدة شركات الخدمات المالية على تحقيق إمكانات بلوكتشين. وفي نوفمبر ٢٠١٧، وقّعت شركة كيه بي إم جي كعضو مؤسس في تحالف وول ستريت بلوكتشين (WSBA).

مستقبل التدقيق

بينما يمكن أن تعزز بلوكتشين فعالية أنشطة المراجعة في بعض المجالات الرئيسية وتقلل من الحاجة إلى القيام بإجراءات المراجعة الحالية، فلا تزال هناك حاجة لمراجعي الحسابات الخارجيين لاستخدام حكمهم المهني في العديد من مجالات البيان المالي، وخاصة عند تحديد تقديرات الحسابات.

وحسبما أكد مارسيل ستالدير، الرئيس التنفيذي لشركة إرنست آند يونغ سويسرا:

"من المهم بالنسبة لنا أن ينضم الجميع إلى المجال وأن يعدوا أنفسهم للثورة التي ستقام في عالم الأعمال من خلال بلوكتشين."

ونتيجةً لذلك، من المتوقع حدوث المزيد من التطورات، مع إجراءات جديدة لمعالجة المخاطر المرتبطة ببيئة بلوكتشين. ومن المرجح أن تعيد هذه التطورات صياغة أعمال التدقيقات الخارجية، حيث سيكتسب استعراض دفاتر السجلات العامة وضوابط تكنولوجيا المعلومات دورًا أكثر أهمية، في التأكد من أن البيانات المالية تمثل حالة "حقيقية وعادلة" لأداء الشركات المالي.