هذا المقال يعبّر عن رأي سيلفا أوزيلي فقط: الآراء الواردة هنا تخص الكاتبة وحدها ولا تعكس بالضرورة آراء "كوينتيليغراف عربي".

صرّح الرئيس المنتخب المؤيد للأصول الرقمية، دونالد ترامب، خلال مؤتمر البيتكوين في يوليو، بأنه سيعمل على إنشاء "احتياطي وطني للبيتكوين"، ليُضاف إلى الحيازات الحالية للحكومة الأمريكية من البيتكوين (BTC) والتي تبلغ حوالي 203,000 بيتكوين، والتي تم الحصول عليها عبر مصادرات الأصول من عملياتٍ بارزة لمحاربة الجرائم. وأكد ترامب أن هذا الاحتياطي سيجعل الولايات المتحدة "عاصمة العملات الرقمية على الكوكب والقوة العظمى للبيتكوين في العالم".

ولتولّي منصب وزير الخزانة الأمريكية، أحد أكثر المناصب تأثيرًا في الحكومة، والذي يشرف على سياسات الضرائب، والديون العامة، والتمويل الدولي، والعقوبات، أعلن ترامب أنه سيصدر عملة مستقرة مدعومة بالدولار الأمريكي، وقد رشّح ترامب سكوت بيسنت، المدير السابق لصندوق التحوّط التابع لجورج سوروس.

ومن الجدير بالذكر أن بيسنت قام في 16 سبتمبر 1992 ببيعٍ مكثّف للجنيه الإسترليني ضمن آلية سعر الصرف الأوروبية. [هذه المعلومة مستندة إلى مقابلة أجريتها مع سكوت بيسنت في شركة سوروس مانجمنت عام 2000].

منذ الانتخابات الأمريكية، ارتفع سعر البيتكوين بنسبة 40%، ليصل لأول مرة إلى 100,000 دولار في ديسمبر. وخلال موجة الصعود التاريخية، قام بعض حيتان البيتكوين، متأثرين بخطوات بيسنت، ببيع أسهم مايكروستراتيجي، وصناديق البيتكوين المتداولة، وأسهم شركات تعدين البيتكوين على المكشوف.

وقد حذر واين أ. جاكوبس، الوكيل الخاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي في فيلادلفيا، قائلًا:

"مع تزايد استخدام العملات الرقمية بين المستثمرين، يلجأ المجرمون إلى تكتيكات أكثر تعقيدًا لخداع الناس واستغلالهم". وأضاف:

"ندعو المستهلكين إلى توخّي الحذر عند التعامل في هذا المجال، والإبلاغ عن أي حالات احتيال إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي عبر مركز شكاوى الجرائم الإلكترونية على ic3.gov".

ووفقًا لتقرير الاحتيال المرتبط بالعملات الرقمية لعام 2023، تلقّى مركز شكاوى الجرائم الإلكترونية التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي أكثر من 69,000 شكوى تتعلق بجرائم إلكترونية واحتيال مالي باستخدام العملات الرقمية. وقد تضمّنت تلك الشكاوى اختراق البيانات، وسرقة الهوية، وانتحال صفة مسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى سرقة العملات الرقمية عبر تبديل بطاقات SIM، والدعم التقني المزيف، واحتيالات الثقة والعلاقات الشخصية، والاحتيالات الاستثمارية والتجارية، مما أدى إلى خسائر بلغت أكثر من 5.6 مليار دولار.

ومع تزايد الجرائم الإلكترونية، أصبح الأفراد أكثر حذرًا عند تقديم بياناتهم الشخصية للشركات المركزية. فعلى سبيل المثال، عند التسجيل في خدمات الإنترنت، يُطلب من المستخدمين غالبًا إدخال معلومات مثل الاسم، البريد الإلكتروني، العنوان، ورقم الهاتف.

ولكن هذه الشركات لم تتمكّن من حماية هذه البيانات بشكل موثوق ضد الهجمات. ومؤخرًا، وجه مكتب التحقيقات الفيدرالي اتهامات لخمسة أفراد، أربعة أمريكيين وبريطاني واحد، يُعتقد أنهم أعضاء في مجموعة قرصنة سيئة السمعة تُعرف باسم "سبايدر المبعثرة" (Scattered Spider)، والتي ترتبط بعمليات اختراق بيانات كبرى وحملات ابتزاز عبر الهوية وسرقة العملات الرقمية من خلال عمليات تبديل بطاقات SIM، حيث استهدفت المجموعة ما يصل إلى 100 شركة متعددة الجنسيات في مجالات الألعاب، والاتصالات، والعملات الرقمية، غالبًا بالتعاون مع مجموعة برامج الفدية "Black Cat/ALPHV".

اكتسبت مجموعة "سبايدر المبعثرة" شهرةً خاصّة في سبتمبر 2023، عندما اخترق أعضاؤها شبكات مشغلي الكازينوهات "Caesars Entertainment" و"MGM" وقاموا بإغلاقها، مطالبين بفدية كبيرة. وقد دفعت "Caesars" حوالي 15 مليون دولار لاستعادة شبكتها، بينما رفضت "MGM" الدفع وتكبّدت خسائر بلغت 100 مليون دولار في الأرباح وفقًا للتقارير الإخبارية.

https://twitter.com/x/migrate?tok=7b2265223a222f4164616d5f43796265722f7374617475732f313730323737323839343730393738303734343f7265665f7372633d7477737263253545746677222c2274223a313733343238383233377d65d2ea67c7b48943b38942fec952db1b

ووفقًا لمعلومات مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن الأفراد الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم في أوائل العشرينيات، قد تم توجيه تهم لهم تتعلق بتنفيذ سلسلة من عمليات سرقة الهوية المخادعة والتصيد الاحتيالي، حيث قاموا بخداع موظفي الشركات المستهدفة للوصول إلى أنظمتها باستخدام المعلومات المسروقة، بهدف استخراج الملكية الفكرية وبيانات الموظفين الشخصية، التي استخدموها لاحقًا لاختراق محافظ العملات الرقمية للموظفين، ممّا أتاح لهم سرقة ملايين الدولارات.

وتعليقاً على الحدث، قال المدعي العام الأمريكي مارتن إسترادا:

"نعتقد أن هذه المجموعة من مجرمي الإنترنت قد نفّذت مخططًا متقدمًا لسرقة الملكية الفكرية والمعلومات السرية التي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، إلى جانب بيانات شخصية لمئات الآلاف من الأفراد". وأضاف:

"كما يبدو لنا من خلال هذا القضية، فإن عمليات التصيد والقرصنة أصبحت أكثر تعقيدًا ويمكن أن تؤدي إلى خسائر هائلة. إذا شعرت بأن هناك شيئًا مريبًا بشأن رسالة نصية أو بريد إلكتروني أو موقع ويب، فمن المحتمل أنها كذلك".

شبكات المعرفات اللامركزية تحمي من سرقة الهوية وتسرّب البيانات

تستخدم أكثر من 100 دولة بطاقات الهوية الوطنية، بينما تسكتشف العديد من الدول تشغيل شبكات الهوية الرقمية اللامركزية (DDID)، يث أن الهوية تؤثر على كل جوانب الحياة، بدءاً باستخدام الخدمات الإلكترونية، وحضور المدارس، وفتح حسابات مالية، والتصويت في الانتخابات، ووصولاً إلى الحصول على خدمات طبية، وشراء الممتلكات، والحصول على وظائف، وحتى شراء تذاكر السفر والحفلات.

ومن جهته أكّد فيتاليك بوتيرين، المؤسس المشارك للإيثريوم (ETH)، خلال حدث "Devcon 2024" في بانكوك، أن شبكات (DDID) تمثّل مفتاحًا للاقتصاد العالمي الذي ينتقل إلى الترميز، قائلًا:

"أصبحت إيثريوم حاسوباً عالميّاً، إذ يعدّ المشروع اقتصاداً كبيراً ومتنوعاً على الشبكة، إلى جانب مجتمعٍ عالميٍّ كبيرٍ ومتعدّدٍ في آنٍ واحد".

تشير التوقعات إلى أن سوق الهوية القابلة لإعادة الاستخدام سيصل بحلول 2026 إلى ما بين 133 و533 مليار دولار.

وتعترف الحكومات في جميع أنحاء العالم بالمزايا الاستراتيجية للانتقال من نظم التعريف التقليدية القائمة على الوثائق المادية إلى أنظمة الهوية الرقمية الأكثر تطورًا ومرونة، والتي تتضمن هويات قابلة لإعادة الاستخدام، مصمّمة للحفاظ على البيانات تحت سيطرة أصحابها، ممّا يقلّل من مخاطر الوصول غير المصرح به ويمنع سرقة الهوية.

وتتيح هذه الأنظمة للأفراد التحكم بأمان في بياناتهم الشخصية، حيث يتم تخزينها في محفظة رقمية على أجهزتهم الخاصة، ولا تتم مشاركة المعلومات إلا مع جهات موثوقة عند الحاجة. وهذا يقضي على نقطة ضعف مركزية يمكن للقراصنة استغلالها لسرقة كميات كبيرة من البيانات.

ومع اعتماد المزيد من الحكومات شبكات الهوية الرقمية اللامركزية (DDID)، ستتّجه عمليّات التحقّق من الهويّة القائمة على الوثائق التقليدية، والتي كانت عرضة للسرقة وتسريب البيانات، نحو الاندثار.

الصين تطلق نظام RealDID

في هونغ كونغ، خلال قمة الهوية العابرة للحدود المبنية على تقنية DID، التي عُقدت في 8 نوفمبر 2024، أطلقت شركة "Red Date Technology"، بالتعاون مع "China Mobile" و"OpenWallet Foundation" و"IDA" و"Flare" و"Terminal 3"، نظام هوية وطني قائم على تكنولوجيا البلوكشين. ويمثّل هذا النظام لحظةً فارقة لحلول الهوية الرقمية المتمركزة حول الخصوصية، حيث قدم أربع استخدامات مبتكرة عبر الحدود.

المسار الأول: نظام RealDID لفحص الدخول عند حدود هونغ كونغ.

كانت العلاقة الفريدة بين هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين دافعًا لابتكار أنظمة الهوية الرقمية اللامركزية القائمة على تقنية البلوكشين. وقد تم إطلاق نظام RealDID العام الماضي من قبل الهيئة الرسمية لإدارة الهوية في الصين. ويعدّ هذا النظام نظام معرّفات لامركزي قائم على البلوكشين على المستوى الوطني، وتم تطويره بواسطة Red Date Technology، وهي شركة بنية تحتية سحابية لامركزية ومدعومة من قبل شبكة الخدمات القائمة على البلوكشين (BSN) المدعومة من الدولة.

يستخدم نظام (RealDID) تقنيّة التحقق من الاسم الحقيقي لمفاتيح التشفير لكل من التفاعلات عبر الإنترنت وخارجها، مع ضمان عدم تعرض أي معلومات شخصية حساسة. ويمكن لسكّان هونغ كونغ استخدام هذا النظام للدخول إلى البر الرئيسي للصين وبالعكس، دون الحاجة إلى تقديم وثائق مادية للدخول.

ومن المتوقع أن يُصدر نظام (RealDID) خمسة ملايين معرف بحلول نهاية عام 2024.

وتعليقاً على الموضوع، قال ييفان هي، الرئيس التنفيذي "لشركة Red Date Technology":

"يمثّل نظام RealDID تحولًا جذريًا في كيفية إدارة الهوية الرقمية الصادرة عن الحكومات، ونحن فخورون بقيادة أولى التجارب خارج البر الرئيسي للصين."

وأضاف:

"يمثّل هذا الإنجاز أساسًا متينًا للتحقق من الهوية بشكلٍ مجهول عبر جانبي الحدود، ويعكس الإمكانات الدولية لتكنولوجيا البلوكشين الصينية  في مجال حماية الخصوصية دون المساس بالامتثال."

ومن جهته صرّح تيم بيلي، نائب الرئيس للأعمال العالمية والعمليات في شركة Red Date Technology، في مقابلة:

"يمكن استخدام معرفات RealDID الصينية عبر منصات وخدمات مختلفة، مما يتيح التحقق السلس من الهوية عبر الحدود. وحاليًا، يقدّم نظام RealDID الصيني النهج العملي الوحيد الفعال من حيث التكلفة للتحقق من الهوية مع الحفاظ على الخصوصية، ويمكن أن يكون بمثابة نموذج لاعتماده عالميًا، حيث تنشئ كل دولة نظام DID الوطني الخاص بها، مما يعزز تبادل البيانات المجهولة الهوية داخل الحدود وعبرها."

المسار الثاني: التسجيل المجهول في تطبيق محفظة العملات المستقرة المنظمة.

المصدر: Red Date Technology

المسار الثالث: شراء منتجات مالية قائمة على التوكنات مع الامتثال الضريبي المدمج.

المصدر: Red Date Technology

ومن جهته قال بيلي:

"أظهرت هذه الاستخدامات قدرة نظام (RealDID) الصيني على التحقق من الهوية عبر الحدود مع الحفاظ على الخصوصية في عمليات "اعرف عميلك" والامتثال الضريبي، حيث تمكن المستخدمون من التسجيل في تطبيقات العملات المستقرة المنظمة وشراء المنتجات المالية القائمة على التوكنات باستخدام منصة (RealDID) الصينية، دون الحاجة إلى تقديم جواز السفر أو معلومات وثائق الهوية."

وأضاف هوغو فيليون، الرئيس التنفيذي لشركة Flare Labs:

"أظهرت التجربة أنه يمكننا الدمج بين الامتثال والخصوصية. ونحن متحمسون لقيادة الطريق في تقديم حلول لامركزية لأسواق جديدة، خاصّةً الصين، حيث الإمكانيات غير محدودة."

المسار الرابع: الامتثال لقواعد السفر بين المؤسسات المالية لتحويلات العملات المستقرة المجهولة.

ومن جهته أوضح تيم:

"تناولت كل واحدة من هذه التجارب الأربعة سيناريو حقيقي في قطاعيّ الخصوصية والتحقق من الهوية، باستخدام نظام (RealDID) الصيني. على سبيل المثال، أظهرت التجارب كيف يمكن لزائر صيني إلى هونغ كونغ، الاستفادة من هذه الهوية المشفرة - التي تمثلها سلسلة أرقام عشوائية - للدخول إلى هونغ كونغ وإكمال عمليات اعرف عميلك (KYC) وإجراءات الامتثال الضريبي للخدمات المالية الرقمية المنظمة. وطوال هذه التجارب الأربع، ظلّت هوية الزائر الصيني مجهولة تمامًا ومحميّة ضد أي تسرب بيانات أو اختراقات، مع قدرة السلطات الحكومية المحدّدة فقط على ربط معرف الزائر بهويته الحقيقية بعد استيفاء الإجراءات القانونية اللازمة.

"سيلفا أوزيلي، خبيرة محاسبة قانونية ومؤلفة كتاب "الاستثمار المستدام في الأصول الرقمية عالميًا".