بالرغم من أنَّه لم يجرِ بعدُ تحديدُ موعدٍ رسميٍّ لطرح الجهاز في جميع أنحاء العالم، فإنَّ الإصدار الأمريكي الأوَّلي من جهاز ’ فيجن برو‘ (Vision Pro) من ’آبل‘ (Apple) في 2 فبراير قد أحدثَ ضجَّةً في جميع أنحاء العالم. فعشَّاق التكنولوجيا متحمِّسون للإمكانات التي تقدِّمها البيئات ثلاثية الأبعاد الغامرة، ويرون أنَّها قفزةٌ إلى الأمام في التفاعل بين الإنسان والحاسوب. إذ إنَّهم يتصورون أنَّ نظارة ’فيجن برو‘ تُحدث ثورة في كل شيء، من التعاون في مكان العمل إلى التجارب التعليمية.
What a thrilling morning celebrating the launch of Apple Vision Pro at Apple Fifth Avenue! The era of spatial computing has arrived! pic.twitter.com/SORkEO87d6
— Tim Cook (@tim_cook) February 2, 2024
ومع ذلك، أثار المشكِّكون تساؤلاتٍ حول قدرتها على تحسين حياتنا الرقمية الحالية، مُعربين عن مخاوفهم بشأن الجوانب السلبية المحتمَلة مثل، العزلة الاجتماعية التي قد يجلبها الاستخدام المطوَّل في البيئات الافتراضية.
ولكن لنكن واقعيين، تتمتع شركة آبل بسجلٍّ حافلٍ في تقديم المنتجات الناجحة. فمن أوَّل جهاز ’ماكنتوش‘ (Macintosh) إلى أجهزة ’آيفون‘ (iPhone) التي تصدر اليوم، تمكَّنت أوَّل شركة في العالم بقيمة 3 تريليونات دولار من تعزيز نظامٍ بيئيٍّ من الأجهزة التي يتردَّد صداها لدى الناس في جميع أنحاء العالم. فلماذا إذن جاءوا بمنتج ’فيجن برو‘ إلى السوق؟
شهدت مبيعات آيفون ركوداً على مدى السنوات القليلة الماضية بعد أن وصلت إلى نحو ملياري مستخدم، ما أظهر تباطؤاً في سعر سهمها في السنوات الأخيرة، مع نموٍّ من 29 دولاراً في عام 2017 إلى 132 دولاراً في عام 2021، يليه ارتفاعٌ أبطأ إلى 181 دولاراً في عام 2024. وبالتالي، من المحتمَل أن يكون ثمَّةَ ضغطٌ من المستثمرين على آبل لمزيد من الابتكار. لذا تشير نظارة ’فيجن برو‘، أوَّلُ فئةِ منتجاتٍ جديدة من آبل منذ إطلاق ساعة آبل، إلى عزمها على الابتكار وتأمين النجاح على المدى الطويل، على غرار منتجات آيفون وآي باد من قبلها.
بالإضافة إلى نظامها البيئي الناجح فعلاً من الأجهزة القابلة للارتداء، بما في ذلك ’إيربودز‘ (Airpods) و’ساعة آبل‘ (Apple Watch)، إلى جانب إيمانها بمستقبل البيئات ثلاثية الأبعاد، قد يكون لدى آبل منتجٌ ناجح آخر في السوق.
تحديد فئة منتج جديدة
آبل، كالمعتاد، كانت ذكيةً للغاية، وأوجدت فئةَ منتجات جديدة لجهاز ’فيجن برو‘. لقد تجنَّبت وضعَ الجهاز في فئة أجهزة الواقع الافتراضي (VR) أو الواقع المعزَّز (AR). بدلاً من ذلك، اختاروا الإشارةَ إلى المنتَج على أنَّه جهازُ حوسبةٍ مكانية (Spatial Computing)؛ حيث تعني الحوسبة المكانية أنَّه في أثناء ارتداء سماعة الرأس، يكون المحتوى في المساحة المحيطة بك بدلاً من كونه على شاشة ثنائية الأبعاد.
بالطبع، هذا المفهوم ليس جديداً. فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، قادت ’ميتا‘ (Meta)، فيسبوك سابقاً، الطريق في مجال أجهزة سماعات الرأس عبر منتَج ’ميتا كويست‘ (Meta Quest)، الذي يمكنُ القول إنَّه أنجح سماعة رأس في السوق حتى الآن. ومع ذلك، ركَّزت ميتا في المقام الأول على الألعاب والواقع الافتراضي. في المقابل، رسمت آبل مساراً مختلفاً عبر إعادة تعريف الفئة على أنها "حوسبة مكانية". بالنَّظر إلى أنَّ أسعار آبل أعلى بنحو 10 أضعاف من عروض ميتا، يبدو أنَّ هذا التمايز الاستراتيجي خطوة ذكية.
تمتد استراتيجية آبل مع ’فيجن برو‘ إلى ما أبعد من الألعاب، وتهدفُ إلى جعلها جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للمستخدمين، مثل أجهزة آيفون وماك بوك وساعات آبل. تبتعد نظارة فيجن برو، التي صُنِّفت على أنَّها أداةٌ إنتاجية بدلاً من مجرَّد جهاز ألعاب، عن الارتباطات النموذجية للواقع الافتراضي والواقع المعزز. فعبر تسويقها كجهاز حوسبة مكانية، تهدف آبل إلى تعميق اندماجها في حياة المستخدمين اليومية. علماً بأنَّ هذا التحوُّل الاستراتيجي يمنح شركةَ آبل ميزةً جديدة، إذ توسِّع استخدامَ فيجن برو إلى ما أبعد من الألعاب إلى أنشطة مثل العمل والدراسة والترفيه والتواصل. ومع ذلك، قد تنشأ تحدياتٌ لأنَّ بعضَ المستخدمين غير المطَّلعين على الحوسبة المكانية يتساءلون عن فائدتها، ما قد يؤثِّر على سعرها المرتفع.
تدرك شركة آبل أنَّ المستهلك العاديَّ لا يمكنه حقَّاً إنفاقُ 3500 دولار على قطعة من الأجهزة. بدلاً من ذلك، تعتمد الشركة على المتبنِّين الأوائل وعشاق التكنولوجيا والمطورين لبناء تطبيقات جديدة ومتطورة على أساس الأجهزة. مع وجودِ منصَّة الواقع المعزَّز للمطورين، أنشأت آبل نظاماً بيئياً يخدم مصالحها الذاتية، حيث يمكن للمطورين إنشاءُ تطبيقات الواقع المعزَّز التي تظهر بعد ذلك مباشرة على فيجن برو. إنَّهم يستفيدون من نظام بيئيٍّ للمطورين الذين يبنون لحزمة تطوير برامج الواقع المعزَّز (ARkit)، مجموعة تطوير برمجيات آبل لتطبيقات الواقع المعزز، والتي كانوا يعززونها منذ عام 2017. اعتاد هؤلاء المطورون على بناء الحوسبة المكانية، وسيكونون قادرين على جلب التطبيقات وحالات الاستخدام بسرعة. على سبيل المثال، استخدمت آيكيا (IKEA) منصة (ARkit) لإنشاء تطبيق الواقع المعزَّز الخاص بها لرؤية الأثاث المحتمل في غرفتك، واستخدمت ’تارغت‘ (Target) و’أمازون‘ (Amazon) المنصة أيضاً.
يضمن هذا النهج أنه عند الإصدار، يحتوي الجهاز مسبقاً على مكتبة من التطبيقات المتوافقة. ومع ذلك، قد لا يستخدم إصدار فيجن برو للجمهور الأوسع في هذه المرحلة قدراته بشكل كامل، حيث ما تزال تطبيقاتٌ محدَّدة للجهاز قيد التطوير. ولمعالجة هذا، بعد بضع سنوات، قد نراهم يطلقون فيجن برو (Air) الذي يستهدف أكثر المستهلكَ العاديَّ بسعر أقل بكثير؛ بمجرَّد حدوث هذا التبنِّي الجماعي، ستكون التجارب الرقمية ثلاثية الأبعاد أقرب إلى الناس العاديين.
في نظر آبل، المستقبل ثلاثي الأبعاد
لكي تنجح فئة منتج جديد، يجب أن تقدم حلولاً لتحسين جودة حياتنا. وعلى غرار ساعة آبل، التي تمكِّن المستخدمين من مراقبة الصحة وإدارة الروتين اليومي، تعتقد آبل أنَّ فيجن برو ستزيد الإنتاجية وتحسِّن حياتنا اليومية بمحتوى ثلاثي الأبعاد غامر.

يقضي المزيد من الناس الوقتَ في بيئات غامرة مع مرور السنين. وفي الوقت الحالي، تعدُّ الألعاب أكبر فئة من البيئات الرقمية ثلاثية الأبعاد. إذ يلعب ما يزيد عن 3 مليارات شخص ألعاب الفيديو، ومن المتوقَّع أن يرتفع العدد بنحو 150 مليون على أساس سنوي. بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لتوقعات شركة ’غارتنر‘ (Gartner)، من المتوقَّع أن يقضي 25٪ من الأشخاص ساعةً واحدة في الأقل يومياً في الميتافيرس بحلول عام 2026.

مع نموِّ هذا العدد، سيزدادُ الطَّلب على المحتوى الغامر. وقد أدركت شركة آبل هذه الشهية المتزايدة للانغماس. فنحن نعيش حياتَنا الحقيقية بتقنية ثلاثية الأبعاد، لذلك من الطبيعي أن نرغب في أن تكون حياتنا الرقمية قريبة من هذه التجربة قدر الإمكان. تزيد تقاريرُ ’كابجيميني‘ (Capgemini) من تعزيز هذه النقطة، حيث كشفت أنَّ 58٪ من المستهلكين يعتقدون أنَّ التجارب الغامرة يمكن أن تكون مؤثرة وقيِّمة في أثناء اختيار المنتج أو الخدمة وشرائها، في حين يعتقد 77٪ من المستهلكين أنَّ التجارب الغامرة ستغيِّر تفاعلاتهم مع الأشخاص أو العلامات التجارية أو الخدمات بشكل كبير.
يمكن القول إنَّ مقاطع الفيديو تقدِّم تجربةً غامرة أكثر من الصور الثابتة، والتجارب الافتراضية ثلاثية الأبعاد تخطو خطوة إلى الأمام. إذ يتجلَّى ذلك في التفاعُل الكبير مع ميزات الواقع المعزَّز على منصَّات الصور والفيديو، مثل ’سناب شات‘ (Snapchat)، حيث يتفاعل معها 63٪ من المستخدمين النشيطين. وإدراكاً لهذا الاتجاه، ترغب آبل في الاستفادة من هذه النظرية عبر توفير نظَّارة مصمَّمة لبيئة رقمية ليس لها عمق لتسهيل تعدُّد المهام، كما تتيح تجربةً أكثر جاذبية من الشاشة التقليدية ثنائية الأبعاد.
حالات استخدام فيجن برو
الآن بعد أن غطينا "سبب" إطلاق المنتج، دعونا نتعمَّق في "ما" يُستخدم. ماذا ستفعل في الواقع مع فيجن برو؟ كما ذكرنا، صمَّمت آبل هذا الجهاز مع التركيز على الإنتاجية. إذ لا تهدف نظارة فيجن برو إلى أداء مهام جديدة تماماً، ولكن لتحويل الأنشطة المألوفة إلى تجارب غامرة وأكثر كفاءة.
على سبيل المثال، يمكنك مشاهدة الأفلام في السينما الخاصة بك، ما يُدخلك في حالة غامرة تماماً من الإثارة. ستتمكَّن أيضاً من مشاهدة شاشات متعدِّدة أمامك، ما يسمح لك بالعمل أو الدراسة بأكثر الطرق فعالية التي رأيناها على الإطلاق. التواصل والترفيه والعمل والدراسة؛ هذه هي الأشياء التي نقوم بها فعلاً على شاشاتنا، في حياتنا اليومية، لذا تقدِّم آبل منتجاً يسمح لنا بأداءِ هذه السلوكيات التي نحبها ولكن بطريقة أفضل. تختلف هذه التجربة تماماً عمَّا تحاول ميتا أو مايكروسوفت فعلَه بمنتجاتها، وهو إنشاء سلوكيات جديدة، مثل لعب البولينغ في غرفة المعيشة أو فحص طرازات السيارات، وهذه حالات استخدام متخصِّصة لا تجذب السوقَ الأوسع.
فضلاً عن أنَّه يُحدث ثورة، تصنِّف آبل الجهازَ على أنَّه تطوُّرٌ للمحتوى من ثنائي الأبعاد إلى ثلاثي الأبعاد.
التحدي
لا يهدف منتج فيجن برو من آبل إلى إعادة الابتكار، بل إلى إثراء روتيننا الرقمي. إنَّه متصوَّرٌ لكلٍّ من سيناريوهات العمل من المنزل والترفيه. ومع ذلك، قد يتسبَّب ذلك في تضارُب المصالح بالنسبة لشركة آبل، مع مخاطر تغيير المستخدمين لكيفية تقسيم وقت الشاشة واحتمال التعدِّي على حصة أجهزة آيفون وآيباد وماك بوك. فيمكن أن يؤدِّي نجاح فيجن برو إلى إعادة تشكيل التسلسل الهرمي لمنتجات آبل.
ومع مرور الوقت، سيكون من المثير للاهتمام معرفةُ المكان الذي تريد فيه شركة آبل وضعَ هذا المنتج في نظامها البيئي. هل ستصدر الشركة بديلاً أرخص؟ هل سنستخدم فيجن برو بدلاً من أجهزتنا المفضَّلة في المنزل؟ وعندما نعمل من المنزل، هل سنرتدي جهاز فيجن برو في أثناء العمل على أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بنا؟
في النهاية، ما تأثير فيجن برو على النظام البيئي لشركة آبل؟ علينا فقط أن ننتظر ونكتشف ذلك.
حُكمُنا
يستعدُّ جهاز فيجن برو من آبل للنجاح، حيث يدخل فئةَ منتجاتٍ مزدهرة من التكنولوجيا الغامرة. لقد أثار إصدارُه فعلاً ضجَّةً على وسائل التواصل الاجتماعي، مع مقاطع فيديو رائجة للمستخدمين الذين يرتدون جهاز سماعة الرأس في الأماكن العامة. على عكس منافسيها، ميتا أو سامسونغ أو مايكروسوفت، تمتلك آبل علامةً تجارية حيث يريد الناس التباهي بالتكنولوجيا على رؤوسهم في الأماكن العامة. وإذا أرادت شركة آبل أن يصبح هذا الجهاز جزءاً من حياتنا اليومية، فيجب أن يكون الناس على استعداد لارتدائه.
منتج العلامة التجارية لشركة آبل أكبر بكثير من أيِّ سماعة رأس أخرى موجودة في السوق اليوم. ومن هذا المنظور، لديهم فعلاً ميزة كبيرة حتى من دون الخوض في التكنولوجيا وما يمكن أن تفعله لتحسين حياتنا اليومية.
ترجمة البيان غره